المؤذن (أو النداء للصلاة)
من اعمال الفنان الفرنسي جان ليون جيروم
ولد عام 1824 و مات عام 1904
نفذ هذه اللوحة عام 1866
مقاس 81 *64.5 سم
زيت علي خيوط كانافاه (قماش).
في رحلته الطويلة الي الشرق الذي فتن به كثيراً، نزل جيروم أرض مصر و استقر بها وقتاً طويلاً في فترة كانت فيها القاهرة لا تزال القاهرة الساحرة الساهرة.
كانت لا تزال مبانيها القديمة بسحرها الفاتن تهوي اليها قلوب هواة الفن و محترفيه. ومن هؤلاء جيروم والذي رسم بها الكثير من أشهر أعماله.
المؤذن في القاهرة القديمة
في هذه اللوحه نرى الفنان جيروم يهتم برسم مؤذن الصلاة كعلامة من علامات القاهرة القديمة. وقد كرر جيروم إهتمامه بالمؤذن أكثر من مره في الكثير من لوحاته.
بعكس لوحة المؤذن السابقه، نرى مئذنة المسجد هنا تحتل الناحية اليمني من اللوحة و قد كانت في لوحة سابقة تحتل الجانب الايسر.
كما نرى المؤذن يعتلي المئذنة للاعلان عن موعد الصلاة. ومن أسفل نرى عن بعد الكثير من مآذن القاهرة و بيوتها بحجم صغير.
المؤذن في القاهرة القديمة يعد من علاماتها البارزة التي لا يمكن لاي زائر الاّ وأثارت إهتمامه و تساؤلاته عن ماهية عمل هذا الرجل الذي يقف بأعلي مكان بالمدينة.
وقد كان الاهتمام بالآذان و تطريب الصوت به من أهم ما يراه زائر المدينة و يحكيه لغيره ممن لم يزر المدينة كأحدى عجائبها التي يجب ان يحكيها الحاكي كنادرة من نوادر الرحلة. لذلك لم يكن عجيباً أن يهتم جيروم كفنان حاذق بالمؤذن في أكثر من لوحة من أعماله.
نظرة فنية
إلتقط جيروم منظر أمامي مباشرة للمؤذن بحيث كان قريباً جداً منه بينما في اللوحة السابقة رسمه من مكان بعيد، من أسفل المئذنة وهو فارق واضح بين اللوحتين، يجعل لكل منهما قيمة مغايرة ومختلفة عن الاخرى.
النسبة الذهبية
المئذنة تملأ مقدمة اللوحة بالجانب الايمن، بينما ترك الفنان النصف السفلي للجانب الايسر للمدينة ومآذنها العالية، وترك باقي المساحة اليسرى للفراغ السماوي.
واذا نظرنا لهذه القسمة نراها وقد إعتمد فيها الفنان علي نفس ما إعتمد عليه في اللوحة السابقة، فقد إعتمد النسبة المعروفة بإسم النسبة الذهبية في تقسيم اللوحة !!
فقد قسم الفنان لوحته طولياً الى الثلث والثلثين ؛ الثلث الأيسر وبه المئذنة والمؤذن والثلثين للمساحة الباقية.
ثم قسمها عرضيا الي الثلث والثلثين كذلك ؛ الثلث السفلي للمدينة والثلثين المتبقيين للفراغ السماوي.
ونراه قد عمد الي وضع المؤذن في نقطة إلتقاء الخطين القاسمين للوحه (الطولي والأفقي)، أي في النقطة المسماة بؤرة اللوحة، وهي المكان الأهم على الاطلاق في أي لوحة فنية !!
إذ هي أول محطة للعين المتأمله لأي لوحة حينما تنقسم بهذه الطريقة. لذلك نرى إن العين أول ما تنظر الى لوحتنا هذه، نراها وقد بدأت النظر الى المؤذن، ليس لانه موضوع اللوحة فقط، بل لأنه أيضا موجود في بؤرة اللوحة.
مكونات اللوحة
مكونات اللوحة القريبه وتحديداً الواقعة في الثلث الرأسي (العمودي) الأيمن واضحة جداً وهذا طبيعي فهي قريبة من المشاهد. وعلى العكس من ذلك، مكونات الجزء السفلي الايسر للوحه وضوحها أقل، ويقل تدريجياً كلما إتجهنا إلى بعيد.
بينما نرى السماء لا شيء فيها ولا حتي السحب ولا حتي طائرٌ شذ عن سربه في الافق.
ألوان اللوحة
ألوان اللوحة إختارها الفنان من مجموعة البنيات ويكثر إستخدامها في رسم المدن القديمة التي يغلب البناء فيها بالحجر، وقد إبتعد الفنان تماماً عن الألوان كالأحمر مثلا وباقي الالوان الساخنة لإنها تشير الى الحركات العنيفة وهذا يجعلها غير مناسبة لهذه اللوحة التي اراد الفنان أن يبرز فيها الجوانب الروحانية لطبيعة المؤذن.
وكذلك إبتعد تماماً عن الوان كالأزرق الصريح في تلوين السماء لأنه كان سيتنافر تماماً مع باقي الوان اللوحة. يبرز هنا اختياره للون السماء القريب جداً من باقي مجموعة الوان اللوحة ليشير الى إمكانيات الفنان اللونية العالية ودقتة في الاختيار.
مآذن وقبب
المئذنة رسمها الفنان بملامحها الدقيقة فأظهر فيها أعمدة متنوعة و تيجان وكذلك المقرنصات كحلي زخرفيه بأعلي الاعمدة.
أبدع الفنان في تصميم المئذنة بواقعية، وبالرغم من إنها لم تظهر كاملة في اللوحه الاّ أن الفنان عوض عدم ظهورها كموضوع اساسي في اللوحه بإظهار العديد من المآذن الاخرى بأشكال متعددة عن بعد في الافق، كما أظهر العديد من القبب.
يبدو ان الفنان أراد أن يوضح ملامح المؤذن فضحى ببعض تفاصيل المئذنة تحقيقاً لهذا الغرض، الاّ إنه أدرك هذا النقص برسم المآذن والقبب البعيدة.
وثيقة تاريخية
رسم جيروم المؤذن بدقة أعتقد إنها غايةً في البراعة. وإن القليل من الفنانين من يمكن مقارنتهم بجيروم في البراعة في رسم البشر وملامحهم الجسدية وحتى النفسية فالمؤذن في هذه اللوحة بملابسه التاريخية التي كانت في عام رسم اللوحة والتي إنقرضت الآن يجعل من اللوحة مادة وثائقية كأغلب لوحات جيروم التي رسمها عن هذه المنطقة.
الاّ إن لوحاته تعتبر وثائق بصرية لا كتابية. وتعتبر هذه الوثائق ضرورية في بابها لانها تعتبر الدليل الوحيد علي ملامح الثقافة البصريه للشعب !! فالكتابة لا تصلح لحفظ ملامح البيوت والمدن وتفاصيل الملابس وغيرها.
خشوع
في هذه اللوحة ينتصب المؤذن، قامته نحو السماء، مناديا للصلاة وقد ترك نصفه الأسفل منتميا الي الأرض وعلا بنصفه الآخر الي السماء، سما كذلك بروحة عن الارض محققاً بذلك الهدف الأسمي من بناء المئذنة في صورة جسدية ونفسية نراها في ملامح وجه الرجل وقفته الساكنة، ووجهه الخاشع نحو السماء .....
